فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

سورة مريم اسم هذه السورة في المصاحف وكتب التفسير وأكثر كتب السنة سورة مريم.
ورويت هذه التسمية عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الطبراني والديلمي، وابن منده، وأبو نعيم، وأبو أحمد الحاكم: عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده أبي مريم قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنه ولدت لي الليلة جارية، فقال: والليلة أنزلت علي سورة مريم فسمها مريم». فكان يكنى أبا مريم، واشتهر بكنيته. واسمه نذير، ويظهر أنه أنصاري.
وابن عباس سماها سورة كهيعص، وكذلك وقعت تسميتها في صحيح البخاري في كتاب التفسير في أكثر النسخ وأصحها.
ولم يعدها جلال الدين في الإتقان في عداد السور المسماة باسمين ولعله لم ير الثاني اسما.
وهي مكية عند الجمهور.
وعن مقاتل: أن آية السجدة مدنية.
ولا يستقيم هذا القول لاتصال تلك الآية بالآيات قبلها إلا أن تكون ألحقت بها في النزول وهو بعيد.
وذكر السيوطي في الإتقان قولا بأن قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] الآية مدني، ولم يعزه لقائل.
وهي السورة الرابعة والأربعون في ترتيب النزول؛ نزلت بعد سورة فاطر وقبل سورة طه.
وكان نزول سورة طه قبل إسلام عمر بن الخطاب كما يؤخذ من قصة إسلامه فيكون نزول هذه السورة أثناء سنة أربع من البعثة مع أن السورة مكية، وليس أبو مريم هذا معدودا في المسلمين الأولين فلا أحسب الحديث المروي عنه مقبولا.
ووجه التسمية أنها بسطت فيها قصة مريم وابنها وأهلها قبل أن تفصل في غيرها.
ولا يشبهها في ذلك إلا سورة آل عمران التي نزلت في المدينة.
وعدت آياتها في عدد أهل المدينة ومكة تسعا وتسعين.
وفي عدد أهل الشام والكوفة ثمانا وتسعين.
أغراض السورة:
ويظهر أن هذه السورة نزلت للرد على اليهود فيما اقترفوه من القول الشنيع في مريم وابنها، فكان فيها بيان نزاهة آل عمران وقداستهم في الخير.
وهل يثبت الخطي إلا وشيجه

ثم التنويه بجمع من الأنبياء والمرسلين من أسلاف هؤلاء وقرابتهم.
والإنحاء على بعض خلفهم من ذرياتهم الذين لم يكونوا على سننهم في الخير من أهل الكتاب والمشركين وأتوا بفاحش من القول إذ نسبوا لله ولدا، وأنكر المشركون منهم البعث وأثبت النصارى ولدا لله تعالى.
والتنويه بشأن القرآن في تبشيره ونذارته. وأن الله يسره بكونه عربيا ليسر تلك اللغة. والإنذار مما حل بالمكذبين من الأمم من الاستئصال.
واشتملت على كرامة زكريا إذ أجاب الله دعاءه فرزقه ولدا على الكبر وعقر امرأته. وكرامة مريم بخارق العادة في حملها وقداسة ولدها، وهو إرهاص لنبوءة عيسى عليه السلام، ومثله كلامه في المهد. والتنويه بإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وموسى، وإسماعيل، وإدريس عليه السلام. ووصف الجنة وأهلها. وحكاية إنكار المشركين البعث بمقالة أبي بن خلف والعاصي ابن وائل وتبجحهم على المسلمين بمقامهم ومجامعهم. وإنذار المشركين أن أصنامهم التي اعتزوا بها سيندمون على اتخاذها. ووعد الرسول النصر على أعدائه. وذكر ضرب من كفرهم بنسبة الولد لله تعالى. والتنويه بالقرآن ولملته العربية، وأنه بشير لأوليائه ونذير بهلاك معانديه كما هلكت قرون قبلهم. وقد تكرر في هذه السورة صفة الرحمان ست عشرة مرة، وذكر اسم الرحمة أربع مرات، فأنبأ بأن من مقاصدها تحقيق وصف الله تعالى بصفة الرحمان. والرد على المشركين الذين تقعروا بإنكار هذا الوصف كما حكى الله تعالى عنهم في قوله في سورة الفرقان: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان: من الآية60].
ووقع في هذه السورة استطراد بآية: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: من الآية64]. اهـ.

.قال سيد قطب:

سورة مريم:
مقدمة السورة يدور سياق هذه السورة على محور التوحيد، ونفي الولد والشريك، ويلم بقضية البعث القائمة على قضية التوحيد.. هذا هو الموضوع الأساسي الذي تعالجه السورة، كالشأن في السور المكية غالبا.
والقصص هو مادة هذه السورة. فهي تبدأ بقصة زكريا ويحيى. فقصة مريم ومولد عيسى. فطرف من قصة إبراهيم مع أبيه.. ثم تعقبها إشارات إلى النبيين: إسحاق ويعقوب، وموسى وهرون، وإسماعيل، وإدريس. وآدم ونوح. ويستغرق هذا القصص حوالي ثلثي السورة. ويستهدف إثبات الوحدانية والبعث، ونفي الولد والشريك، وبيان منهج المهتدين ومنهج الضالين من أتباع النبيين. ومن ثم بعض مشاهد القيامة، وبعض الجدل مع المنكرين للبعث. واستنكار للشرك ودعوى الولد، وعرض لمصارع المشركين والمكذبين في الدنيا وفي الآخرة.. وكله يتناسق مع اتجاه القصص في السورة ويتجمع حول محورها الأصيل.
وللسورة كلها جو خاص يظللها ويشيع فيها، ويتمشى في موضوعاتها..
إن سياق هذه السورة معرض للانفعالات والمشاعر القوية.. الانفعالات في النفس البشرية، وفي نفس الكون من حولها. فهذا الكون الذي نتصوره جمادا لا حس له يعرض في السياق ذا نفس وحس ومشاعر وانفعالات، تشارك في رسم الجو العام للسورة. حيث نرى السماوات والأرض والجبال تغضب وتنفعل حتى لتكاد تنفطر وتنشق وتنهد استنكارا: {أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا}..
أما الانفعالات في النفس البشرية فتبدأ مع مفتتح السورة وتنتهي مع ختامها. والقصص الرئيسي فيها حافل بهذه الانفعالات في مواقفه العنيفة العميقة. وبخاصة في قصة مريم وميلاد عيسى.
والظل الغالب في الجو هو ظل الرحمة والرضى والاتصال. فهي تبدأ بذكر رحمة الله لعبده زكريا {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} وهو يناجي ربه نجاء: {إذ نادى ربه نداء خفيا}.. ويتكرر لفظ الرحمة ومعناها وظلها في ثنايا السورة كثيرا. ويكثر فيها اسم الرحمن. ويصور النعيم الذي يلقاه المؤمنون به في صورة ود: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} ويذكر من نعمة الله على يحيى أن آتاه الله حنانا {وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا}. ومن نعمة الله على عيسى أن جعله برا بوالدته وديعا لطيفا: {وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا}..
وإنك لتحس لمسات الرحمة الندية ودبيبها اللطيف في الكلمات والعبارات والظلال. كما تحس انتفاضات الكون وارتجافاته لوقع كلمة الشرك التي لا تطيقها فطرته.. كذلك تحس أن للسورة إيقاعا موسيقيا خاصا. فحتى جرس ألفاظها وفواصلها فيه رخاء وفيه عمق: رضيا. سريا. حفيا. نجيا.. فأما المواضع التي تقتضي الشد والعنف، فتجيء فيها الفاصلة مشددة دالا في الغالب. مدا. ضدا. إدا. هدا، أو زايا: عزا. أزا.
وتنوع الإيقاع المصوسيقي والفاصلة والقافية بتنوع الجو والموضوع يبدو جليا في هذه السورة. فهي تبدأ بقصة زكريا ويحيى فتسير الفاصلة والقافية هكذا: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا} إلخ.
وتليها قصة مريم وعيسى فتسير الفاصلة والقافية على النظام نفسه: {واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا}.. إلخ. إلى أن ينتهي القصص، ويجيء التعقيب، لتقرير حقيقة عيسى ابن مريم، وللفصل في قضية بنوته. فيختلف نظام الفواصل والقوافي.. تطول الفاصلة، وتنتهي القافية بحرف الميم أو النون المستقر الساكن عند الوقف لا بالياء الممدودة الرخية. على النحو التالي: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون} إلخ.
{ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا (3)}.
حتى إذا انتهى التقرير والفصل وعاد السياق إلى القصص عادت القافية الرخية المديدة: {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} إلخ.
حتى إذا جاء ذكر المكذبين وما ينتظرهم من عذاب وانتقام، تغير الإيقاع الموسيقي وجرس القافية: {قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا} إلخ.
وفي موضع الاستنكار يشتد الجرس والنغم بتشديد الدال: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتحز الجبال هذا} إلخ.
وهكذا يسير الإيقاع الموسيقي في السورة وفق المعنى والجو، ويشارك في إبقاء الظل الذي يتناسق مع المعنى في ثنايا السورة، وفق انتقالات السياق من جو إلى جو ومن معنى إلى معنى.
ويسير السياق مع موضوعات السورة في أشواط ثلاثة:
الشوط الأول يتضمن قصة زكريا ويحيى، وقصة مريم وعيسى. والتعقيب على هذه القصة بالفصل في قضية عيسى التي كثر فيها الجدل، واختلفت فيها أحزاب اليهود والنصارى.
والشوط الثاني يتضمن حلقة من قصة إبراهيم مع أبيه وقومه واعتزاله لملة الشرك وما عوضه الله من ذرية نسلت بعد ذلك الأمة. ثم إشارات إلى قصص النبيين، ومن اهتدى بهم ومن خلفهم من الغواة، ومصير هؤلاء وهؤلاء. وينتهي بإعلان الربوبية الواحدة، التي تعبد بلا شريك: {رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا}.
والشوط الثالث والأخير يبدأ بالجدل حول قضية البعث، ويستعرض بعض مشاهد القيامة. ويعرض صورة من استنكار الكون كله لدعوى الشرك، وينتهي بمشهد مؤثر عميق من مصارع القرون! {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحسن منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا}. اهـ.

.قال الصابوني:

سورة مريم مكية وآياتها ثمان وتسعون.

.بين يدي السورة:

سورة مريم مكية، وغرضها تقرير التوحيد، وتنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به، وتثبيت عقيدة الإيمان بالبعث والجزاء، ومحورُ هذه السورة يدور حول التوحيد، والإيمان بوجود الله ووحدانيته، وبيان منهج المهتدين، ومنهج الضالين.
عرضت السورة الكريمة لقصص بعض الأنبياء مبتدئةً بقصة نبي الله زكريا وولده يحيى الذي وهبه على الكبر من امرأة عاقر ولا تلد، ولكن الله قادر على كل شيء، يسمع دعاء المكروب، ويستجيب لنداء الملهوف، ولذلك استجاب الله دعاءه ورزقه الغلام النبيه.
وعرضت السورة لقصة أعجب وأغرب، تلك هي قصة مريم العذراء وإنجابها لطفل من غير أب، وقد شاءت الحكمة الإلهية أن تبرز تلك المعجزة الخارقة بميلاد عيسى من أم بلا أب، لتظل آثار القدرة الربانية ماثلةً أمام الأبصار، بعظمة الواحد القهار.
وتحدثت كذلك عن قصة إبراهيم مع ابيه، ثم ذكرت بالثناء والتبجيل رسل الله الكرام: إسحاق، يعقوب، موسى، هارون، إسماعيل، إدريس، نوحًا وقد استغرق الحديث عن هؤلاء الرسل الكرام حوالي ثلثي السورة، والهدفُ من ذلك إثبات وحدة الرسالة وأن الرسل جميعا جاؤوا لدعوة الناس إلى توحيد الله، ونبذ الشرك والأوثان.
وتحدثت السورة عن بعض مشاهد القيامة، وعن أهوال ذلك اليوم الرهيب، حيث يجثو فيه الكفرة المجرمون حول جهنم ليقذفوا فيها، ويكونوا وقودا لها.
وختمت السورة الكريمة بتنزيه الله عن الولد، والشريك، والنظير، وردًت على ضلالات المشركين بأنصع بيان، وأقوى برهان.

.التسمية:

سميت سورة مريم تخليدا لتلك المعجزة الباهرة، في خلق إنسان بلا أب، ثم إنطاق الله للوليد وهو طفل في المهد، وما جرى من أحداث غريبة رافقت ميلاد عيسى عليه السلام. اهـ.